القول الأحسن

القول الأحسن

القول الأحسن | فراس الرفاعي

الحمد للَّه ٬ والصَّلاة والسَّلام على رسول اللَّه ٬ وآله وصحبه ومن والاه ٬ أمَّا بعد : 🔹 قال اللَّه تعالى : { وقل لعبادي يقولوا الَّتي هي أحسن إنَّ الشَّيطان يَنزَغُ بينهم } 💡 فلم يأمر سبحانه بالقول الحسن ٬ بل بالقول الأحسن ٬ فتأمَّل . 🔹 وقال رسول الله ﷺ : إنَّ الشَّيطانَ قد أيس أن يَعبدَهُ المُصلُّون في جزيرة العرب ٬ لكن في التَّحريش بينهم . [ صحيح مسلم (٢٨١٢) ] فلم ييأس الشَّيطان من التَّحريش ٬ فعلى المسلم -فضلا عن طالب العلم- أن يكون أشدَّ النَّاس حذرًا من خطوات الشَّيطان وطرائقه ٬ وعليه أن يتحلَّى بأحسن الأخلاق ؛ حتَّى تنتشر هذه الدَّعوة المباركة . 🔹 قال عليه الصَّلاة والسَّلام : المؤمن يألف ويُؤلَف ٬ ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف . [ صحيح الجامع (٦٦٦٢) ] 🔸 قال الشَّيخ ربيع بن هادي حفظه اللَّه : فما على السَّلَفيين إلَّا أن يمضوا في تبيين دعوتهم إلى اللَّه على بصيرة ٬ وفي نفس الوقت : عليهم أن يتحلَّوا بالأخلاق العالية ٬ من الصَّبر ٬ والحِلْم ٬ والحكمة ٬ وسائر الصِّفات الطَّيبة النَّبيلة الَّتي تتواءمُ مع هذه الدَّعوة العظيمة . [ الشريط الثاني في التعليق على كتاب الجواب الكافي ] ✊🏻 وعلينا أن نتغافل عن كثير ممَّا يصدر من إخواننا ٬ طالما أنَّه داخل في مظلَّةِ أهل السُّنَّة والجماعة ٬ وما يسوغ من الاختلاف بينهم . 🔸 وقد قيل للإمام أحمد : العافية عشرة أجزاء ؛ تسعة منها في التَّغافُل ٬ فقال رحمه اللَّه : العافية عشرة أجزاء ؛ كلُّها في التَّغافل . [ الفروع (٢٦١/٥) ] والعاقل يُحب أهل السُّنَّة والجماعة ٬ وإن بَدَرَ من بعضهم ما بدر ٬ فقلبه لهم ومعهم طوال حياته ٬ حتَّى بنزع اللَّه ما في صدورهم من غل يوم القيامة . 🔸 قال إمام أهل السُّنَّة الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه : أحبُّوا أهل السُّنَّة على ما كان منهم . [ طبقات الحنابلة (١/٣٤٥) ] ✊🏻 وهذا لا يتعارض مع بيان الحقِّ والنُّصح للخلق ٬ ولكن بضوابطه وآدابه . وتذكَّروا أنَّ النَّصيحةَ عبادةٌ للَّه ربِّ البريَّات ٬ وليست جسرًا للشُّهرة ٬ ومَتجًرًا للرَّغبة ؛ فضلًا عن تصفية الحسابات ٬ وإشباع الشَّهَوات . 🔸 تَعمدني بنُصحكَ في انفرادِ وجَنبني النَّصيحةَ في الجماعه 🔸 فإنَّ النُّصحَ بين النَّاسِ نوعٌ من التَّوبيخ لا أرضى استماعه 🔸 وإنْ خالفتَني وعصيتَ قَولي فلا تَجزعْ إذا لم تُعطَ طاعه 🔸 قال الشَّيخ عُبيد الجابري [ رحمه اللَّه ] : اللَّهَ اللَّهَ في السُّنَّة ٬ وعليكم بالرِّفقِ ٬ وعليكم بالحكمة ٬ وتعاونوا فيما بينكم على البِرِّ والتَّقوى ٬ وإذا أخطأ سلفيٌّ فلا تُشهِّروا بخطئه في العامَّة والخاصَّة ٬ ناصحوه ؛ فإنَّ السَّلَفيَّ تَردُّهُ السُّنَّة . [ رسالة ضوابط معاملة السني للبدعي (٦) ] وأما تقديم حُسن الظَّنِّ على غيره فهو طريق الصَّالحين من أهل التَّقوى والعلم والدِّين . 🔹 قال تعالى : { يا أيُّها الَّذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظَّنِّ إنَّ بعض الظَّنِّ إثم } 🔸 قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما : نهى اللَّهُ المؤمنََ أن يَظنَّ بالمؤمن شرًّا . [ تفسير الطبري (١٢/٤٩) ] 🔸 وقال الحافظ ابن جرير رحمه اللَّه : لم يَقلْ : الظَّنَّ كلُّه ؛ إذ كان قد أذن للمؤمنين أن يَظنَّ بعضهم ببعض الخيرَ فقال : { لولا إذ سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا } [ تفسير الطبري (١٢/٤٩) ] 🔹 قال رسول اللَّه ﷺ : إيَّاكم والظَّنَّ ٬ فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديث ٬ ولا تحسَّسوا ٬ ولا تجسَّسوا ٬ ولا تباغضوا ٬ ولا تدابروا ٬ وكونوا عباد اللَّهِ إخوانا . [ متفق عليه (٦٧٢٤) (٢٥٦٣) ] 🔸 قال الفاروق عمر رضي اللَّه عنه : ولا تَظنَّنَّ بكلمةٍ خرجتْ من امريءٍ مسلمٍ شرًّا ؛ وأنت تجدُ لها في الخير مَحملا . [ روضة العقلاء (٩٠) ] 🔸 وقال جعفر بن محمد رحمه اللَّه : إذا بلغكَ عن أخيك الشَّيءُ تُنكرهُ ٬ فالتمس له عُذرًا واحدًا ؛ إلى سبعينَ عُذرًا ؛ فإن أصبتَهُ وإلَّا قُل : لعلَّ له عُذرًا لا أعرفه . [ شعب الإيمان (٦/٣٢٣) ] 🔸 وقال ميمون بن مهران رحمه اللَّه : ما بلغني عن أخٍ لي مكروهٌ قطُّ إلَّا كان إسقاطُ المكروه عنه أحبَّ إليَّ من تحقيقه عليه ؛ فإنْ قال : “لم أقل” كان قوله : “لم أقل” أحبَّ إليَّ من ثمانيةٍ يشهدون عليه . [ تاريخ الرقة (٢٥) ] 🔸 وقال بكر بن عبد اللَّه المزني رحمه اللَّه : احملوا إخوانكم على ما كان فيهم كما تُحبُّوا أن يَحملوكم على ما كان فيكم ٬ فليس كل من رأيتَ منه سقطةً أو زلَّةً وقع من عينيك . [ التوبيخ والتنبيه (٥٣) ] 🔸 وقال عبَّاد الخوَّاص رحمه اللَّه : فليكن أمركم فيما تُنكرون على إخوانكم نظرًا منكم لأنفسكم ٬ ونصيحةً منكم لربِّكم ٬ وشفقةً منكم على إخوانكم ٬ وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم ٬ وأن يستطعم بعضكم بعضًا النَّصيحة ٬ وأن يَحظى عندكم من بَذَلها لكم وقَبِلها منكم ٬ وقد قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه : رحم اللَّه من أهدى إليَّ عيوبي . [ مسند الدارمي (١/١٦٧) ] 🔸 وقال شيخ الإسلام رحمه اللَّه : ومن أعظم التَّقصير نسبة الغلط إلى متكلم ٬ مع إمكان تصحيح كلامه ٬ وجريانه على أحسن أساليب كلام النَّاس . [ الفتاوى (٣١/١١٤) ] 🔸 وقال رحمه اللَّه : وليس لأحد أن يحملَ كلام أحدٍ من النَّاس إلَّا على ما عُرف أنَّه أرادَهُ ٬ لا على ما يحتمله ذلك اللَّفظ في كلام كلِّ أحد . [ الفتاوى (٧/٣٦) ] 🔸 وقال ابن القيِّم رحمه اللَّه : والكلمة الواحدة يقولها اثنان ٬ يُريد بها أحدُهما أعظم الباطل ٬ ويُريدُ بها الآخر محضَ الحقِّ ٬ والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه ٬ وما يدعو إليه ؛ ويُناظر عنه . [ مدارج السالكين (٣/٥٢١) ] أسألُ اللَّهَ أن يُؤلِّفَ بين قلوب أهل السُّنَّة والجماعة ٬ وأن يَجمعَ كلمتهم على الحقِّ والتَّقوى ٬ وأن يُجنِّبهم شرَّ شياطين الإنس والجنِّ ٬ إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه ؛ والحمدُ للَّه ربِّ العالَمين .