حق الله على العباد وبشارة الموحدين

حق الله على العباد وبشارة الموحدين

حق الله على العباد وبشارة الموحدين | فراس الرفاعي

الحمدُ للَّه ربِّ العالَمين ٬ والعاقبةُ للمتَّقين ٬ وصلاةُ اللِّهِ وسلامُه على سيِّد خَلق اللَّهِ أجمعين ٬ أمَّا بعدُ ؛ فعن معاذ بن جبل رضي اللَّهُ عنه قال : كنتُ رِدْفَ النبي ﷺ على حمار يُقال له عُفَير فقال : يا معاذ ! هل تدري ما حقُّ اللَّهِ على عباده ، وما حقُّ العبادِ على اللَّه ؟ ٬ ( وفي رواية : ما حقُّ العباد على اللَّهِ إذا فعلوه ؟ ) قلت : اللَّه ورسولُه أعلم . قال : فإنَّ حقَّ اللَّهِ على العباد أن يَعبدوهُ ولا يُشركوا به شيئًا ٬ وحقُّ العباد على اللَّهِ أن لا يُعذِّبَ مَن لا يُشرك به شيئّا . فقلت : يا رسول اللَّه ! أفلا أبشِّرُ به النَّاسَ ؟ قال : لا تُبشِّرهم فيتَّكِلوا . [ متفق عليه (٢٨٥٦) (٣٠) ] 💡 من فوائد هذا الحديث : ١) فيه فضيلةُ معاذٍ رضي اللَّهُ عنه من وجهين : ١- خصُّهُ بهذه البِشارة العظيمة . ٢- إردافُ النَّبيِّ ﷺ له . قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : وقد أَفردَ بن منده أسماء مَن أردفُه النَّبيُّ ﷺ خلفه ؛ فبلغوا ثلاثينَ نفْسًا . [ فتح الباري (١٠/٣٩٨) ] ٢) فيه أنَّ للَّه حقًّا على العبد أوجبهُ عليه ليُنجيه من العذاب ، وليُدخلَهُ جنَّةَ النَّعيم ؛ وللعبد حقٌّ على اللَّهِ أوجبهُ اللَّهُ على نفسِهِ لكمال فضله ، وسِعة رحمته ، وتمامِ إنعامه على خَلْقه . قال الإمام القرطبي رحمه اللَّه : فحَقَّ ذلكَ ووَجَبَ بحُكْم وعْده الصِّدق . [ فتح الباري (١١/٣٩) ] ٣) فيه أنَّ توحيدَ اللَّهِ وعبادته أحقُّ حقوقِ اللَّهِ على خَلْقه ؛ فينبغي للعبد الاهتمامَ بهذا الحقِّ وأداؤه على أصحِّ وَجهٍ وأكملِه . ٤) فيه التنبيه على أنَّ توحيدَ اللَّهِ تعالى قائمٌ على رُكنين لا يَصحُّ إلَّا بهما : ١- عبادة اللَّهِ وحدَه . ٢- والبراءةُ من كلِّ المعبودات سِواه . فقوله : “حقُّ اللَّهِ على العباد أن يَعبدوه ” هذا الرُّكنُ الأوَّل ؛ وقوله : ” ولا يُشركوا به شيئًا ” : هذا الرُّكنُ الثَّاني ؛ وهما العُروةُ الوثقى الَّتي في قول اللَّهِ تعالى : { فمَن يَكفُر بالطَّاغوت ويُؤمن باللَّهِ فقد استمسكَ بالعُروةِ الوثقى لا انفصامَ لها } وهما نظيرُ شهادتِنا للَّه بالوحدانيَّة في قولنا : لا إله إلَّا اللَّهُ . قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : وعطَفَ الشِّركَ لأنَّه تمامُ التَّوحيد ، والحكمة في عطفِه على العبادة أنَّ بعض الكَفرة كانوا يدَّعونَ أنَّهم يَعبدونَ اللَّهَ ، ولكنَّهم كانوا يَعبدونَ آلهةً أخرى ؛ فاشترطَ نَفيَ ذلك . [ فتح الباري (١١/٣٣٩) ] ٥) فيه الإشارة إلى خطورة الشِّرك ، وسوءِ عاقبةِ الوقوع فيه ؛ فقولُه : ” أن لا يُعذِّبَ مَن لا يُشرك به شيئًا ” يُؤخذ منه بمفهوم المخالفةِ أنَّ مَن أهدرَ حقَّ اللَّهِ تعالى ، ونقَضَهُ بالإشراك به = عذَّبه اللَّهُ في النَّار . ٦) فيه أنَّه لا فرقَ بين قليلِ الشِّركِ وكثيرِه من حيثُ أنَّهما مُوجبان لعذابِ اللَّهِ سبحانه وتعالى ؛ فقوله : ” أن لا يُعذِّبَ مَن لا يُشرك به شيئًا” : فـشيئًا نكرةٌ في سياق النَّفْيِ ؛ فتفيدُ عموم الشِّرك . ٧) فيه حُسْنُ تعليمِ النَّبيِّ ﷺ لأصحابِه ؛ فهنا سألَ مُعاذًا (وهو يَعلم الجواب) لتأكيد الاهتمام بما يُخبرُه به ويبالغ في تفُّهمه وضبطه ؛ وهذه الطَّريقة من الوسائل التعليميَّة الَّتي تُعينُ على ترسيخ المعلومة في ذهن المُتعلِّم . قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : فيه تكرار الكلام لتأكيده وتفهيمه ، واستفسارُ الشَّيخِ تلميذَهُ عن الحكم ليَختبر ما عندَه ويُبيِّنَ له ما يُشكل عليه منه . [ فتح الباري (١١/٣٤٠) ] ٨) فيه بيان وَرعِ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم ، وعدم تكلُّمهم في الدِّين بغير عِلم ؛ فمعاذٌ رضي اللَّه عنه قال لما لا يعلم : “اللَّهُ ورسولُه أعلم” ؛ لإنَّ الكلامَ في دِين اللَّهِ ممَّا ليسَ للرَّأي فيه مجال . 💡 وقول : ” اللَّهُ ورسولُه أعلم” يجوز في المسائل الشَّرعيَّة ٬ وأمَّا في أمور الدُّنيا وأمور الغيب والنَّوازل ٬ فيجبُ أن يقالَ : اللَّهُ أعلم . ٩) فيه ردٌّ على الرَّافضة وغلاةِ الصُّوفيَّة ٬ الَّذين يُشركون باللَّهِ ، ويَعبدونَ سواه ، ثمَّ يزعمون أنَّهم وأتباعهم من أهل الجنَّة ! فهذا الدُّسوقي الصُّوفي يُعلن أنَّ أبوابَ الجنَّةِ بيديه ٬ ومَن زاره أسكنه جنَّة الفردوس ! [ انظر كتاب هذه هي الصوفية (١٢١) ] وهذا أبو يزيدٍ البُسطامي كبير الصُّوفيَّة يقول : “وددتُ أن قد قامت القيامة حتَّى أنصِبَ خيمتي على جهنَّم ٬ فسأله رجلٌ : ولم ذاك يا أبا يزيد ؟ فقال : إنِّي أعلمُ أنَّ جهنَّم إذا رأتني تَخمُدُ ٬ فأكون رحمةً للخلق .” [ تلبيس إبليس (٣٠٢) ] وغير ذلك كثير من عجائب القوم . واعلم –وفقني اللَّهُ وإيَّاكَ لهداه- أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جعل النَّجاةَ من عذابه لِمَن عَبَدَهُ وحدَه ، ولم يُشرك به شيئًا ؛ ولم يكتب جنَّته لمن اعتنقَ طريقةً صوفيَّة ٬ ولا من انتحلَ ملَّةً رافضيَّة ٬ فإذا عرفتَ هذا = فاحمد اللَّهَ الَّذي نجَّاكَ من التَّصوُّف والرَّفضِ ٬ وجعلكَ من أهل السُّنَّة والجماعة . ١٠) فيه ردٌّ على المُرجئةِ الَّذين أخرجوا عملَ الجوارح من الإيمان ؛ فالإيمانُ عند أهل السُّنَّة والجماعة : قول وعمل واعتقاد ٬ يزيدُ وينقص . وقولُ النَّبيِّ ﷺ لمعاذ : ” هل تدري ما حقُّ العباد على اللَّهِ إذا فعلوه ؟” وفي رواية مسلم : “إذا فعلوا ذلك” ؛ فعبَّر بالفعل ولم يُعبِّر بالقول ٬ والضَّمير في الرِّوايتين (“إذا فعلوه” ، “إذا فعلوا ذلك”) يعود إلى قوله : ” يَعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا ” فتأمَّل . ١١) فيه جوازُ كتمانِ بعض العِلم إذا رَجحتِ المصلحةُ الشَّرعيَّة بذلك . قال علي رضي اللَّه عنه : حدِّثوا النَّاسَ بما يَعرفون ، أتحبُّونَ أن يُكذَّبَ اللَّهُ ورسولُه ؟! [ صحيح البخاري (١٢٧) ] وقال ابن مسعود رضي اللَّه عنه : ما أنتَ بمُحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تَبلغهُ عقولُهم إلَّا كان لبعضهم فتنة . [ صحيح مسلم (١/١١) ] ١٢) فيه جواز تسمية الحيوانات بأسماء تَخصُّها غير اسم جنسها . قال البغوي رحمه اللَّه : كان من عادة العرب تسميةُ الدَّوابِّ وأداة الحرب باسم يُعرف به إذا طُلِبَ ، سوى الاسم الجامع . [ شرح السنة (٨/٢٢٢-٢٢٣) ] ومما ذُكر من أسماء الدواب التي كانت عند النَّبيِّ ﷺ : ¤ من الحمير : عُفَير ويَعفور . ¤ ومن البغال : دُلْدُل وفِضَّة . ¤ ومن النُّوق : القَصواء ، وهي : العضباء والجدعاء والصَّهباء . ¤ ومن الأفراس : اللِّزَازُ ٬ والظَّرِبُ ٬ والسَّكْبُ ٬ واللَّحِيفُ ٬ والمُرتَجِز ٬ والوَردُ ٬ وسَبحة . قال الدمياطي : فهذه سبعة أفراس متَّفق عليها ، وذكر بعدها خمسة عشر فرسًا مُختلف فيها . [ انظر تاريخ الإسلام للذهبي (١/٣٤٩-٣٥٠) ] واللَّهُ أعلم ، والحمدُ للَّه ربِّ العالَمين .